2.12.2012

المخرج انا ولا أنت؟

أستيقظ صباحاً بعد أن رن المنبه بما يكفي لكي تستيقظ مدينتي كلها، خمرية أريكتي التي كانت قد أحتضنتني هذه الليلة بدلاً من السرير، التلفاز لايزال مفتوحاً على قناة لست أعرفها، وصلت إليها لا أعرف كيف بعدما أنهيت ما كنت أشاهد، لابد أن أحمل نفسي على مضض لإعد كأس شاي صباحي فوحده يدخلني في عالمي الحقيقي، فهو برزخي الصباحي، وقبل أن أبدأ الرحلة الطويلة كان علي أن أرفع الاشياء، حاسوبي اللعين وسلكه الذي يلتف حول رجلي وهاتفي المحمول الذي كان يجب أن أضعه في الشاحن، وحتى سماعات الاذن من حول رأسي والجراب المتبقي والذي خرج نصفه من رجلي، ودفتر كان مكتوب عليه نص الفلم ولم أقرأه، الارجيلة من أمامي لإنطلق.  
أدخل للإستحمام فمياه ساخنة في مثل هذا الجو تمحوا تعبنا وخوفنا، وتطفئ شهوتنا قليلاً، ولا سبيل للمياه الساخنة، وأرزح تحت طغيان المياه الباردة سبع دقائق من يومي العادي جداً، أفكر لا أفكر، أموت أطيب، لا أفتح عيني لا أرى، أقرر أن أعترض فأصرخ باللعنة على المياه، والبرد والشتاء، في فيرد جاري مسرعاً "الله يلعنك أنت" فأضحك، أدفئ جسدي بما تيسر لي من مناشف وملابس وأذهب مسرعاً نحو المطبخ لإقلل من برودة الجو الخماسيني ولا أجد غازاً، فألعن الماء والبرد والشتاء والشاي والغاز ونفسي وجاري. 
ألملم أعضائي من الصالون رجلي وحذائي ولفحة يدوية الصنع، وسترة إسبانية، ومويايل برجوازي، وأخر تافه، كمبيوتر صنع في الصين لشركة يابانية أقتم اللون أسوده، هوية كانت وليدة إجتماع دولتين على سرير في ليلة نرويجية، وكل المتبقي لدي من نقود بثلاث جنسيات، وعلبة دخان فرنسية لا أدخن لكن يجب حفظها من أجل حالات غريبة، مفتاح البيت، بعض الاوراق وكتاب، أحضر نفسي جيداً للخروج، ولم يبقى سوى أن تدق الثامنة لمشاهدة الاخبار قبل الخروج،  أفتح الفيس بوك فكل ما الشاشة عن هدم الاقصى فألعن العدو والفيس بوك وحاسوبي، يتصل بي صديق حاملاً نبأ وفاة الكاتب جلال عامر، الذي منذ يومين أصبحت صحته غير مستقرة عندما كان في ميدان التحرير، فالعن الميدان والمجلس العسكري، أتصل بأمي وصوتها يحدث أول ابتسامة في يومي، وأعود للدنيا لأجد أن الاسير خضر عدنان ما زال أسيراً وما زال يعاني، ونحن ما زلنا نغني للمصالحة، فبأس من كنا, وبأس امة لا ترتجف لإضراب مناضل، أخذ قراراً مجحفاً بحق قلمي لن أكتب، قلمي اعذرني فلو كتبت ما أفكر به لأصبح لدينا ماسبيرو أيضاً أو يمكن أن ترسلني أنت للجحيم. 
أشرب من فنجان قهوة باردة على الطاولة كان من الليلة الماضية علي اهضم خيبات اليوم، وأمضي في طريقي. 
أتجادل وسائق التكسي عن الطريق التي عليه أن يسلكها، وأفكر وانا على الطريق بدوري، فدوري في هذا الفلم سيئاً فلست البطل طبعاً وأظهر في معظم المشاهد طويلة هي الحوارات في دوري، واحاول التركيز قبل الوصول. 
أدائي أفضل من أداء بطل الفلم، وحين تكون المحاولة السابعة من اجل نفس المشهد، يجب عليك أن تكون مستاء كأنسان، فليس ذنبي بأن البطل يخطء، فأقترح تعديلاًبسيطة في النص لا يفقد النص متعته وأنما يعتقنا من هذه الاعادة ويجاوبني الكاتب بأستغراب "هذا دورك، وهذا النص، ونصي لن يتغير" فأضحك، وأعترض ايضاً على بعض المأسي في الفلم كونها ظلم فأنهي حديثي مع الكاتب المخرج بأنه "هكذا ترضي أنت غرورك"، يكظم غيظه قليلاً ويدعونا لنكمل، ويأتي المشهد الذي يحب فيه البطل صديقتي فأعترض ايضاً قائلاً، "لا يمكن لعيناها ان تخدع المشاهدين، فعيناها لا تلمع بهما شرارة لرؤيته، كتلك عند رؤيتي"، فيقول المخرج بعصبية، "هو انو المخرج انا ولا انت "وأجيبه "الكارثة انو أنت". 

5 comments:

  1. تاخذني معك في ثنايا المكان وبرد الزمان.
    مستدفئ في سريري انا واشعر برد حمامك.
    افهم الثلثان. واغفل عن الثلثين الاخرين.
    فهل هما اربعة اثلاث؟!!!!

    ReplyDelete
  2. منذ البداية يا اخي وانت لاتضع لي ولفكري إطار ولا تطلب مني ان اكون داخله
    عندما تشعر ببردي في الحمام الصباحي مساءاً على سريرك الدافئ، في دولة أخرى لها علم وبحر
    أخر ما يهم يكن الرياضيات فلا فرق حينها أكن النص ثلاث أنصاص أم خمسة ارباع
    لو أنت فهنت الثلثين من نصي فأعلم أن ما تبقى أني لست أفهمه

    ReplyDelete
  3. أقدّر حزنك وتشاؤمك.. لقد كنت في دوّامات من ذلك الحزن والتشاؤم يوماً ما. ولكنّي اكتشفت أنّي المؤلّف الوحيد لقصّة حياتي وإن لم أكن أنا المخرج.... ابدأ صباحك بالاتصال مع أمك يا أخي.
    وبدل أن تلعن جارك في الصباح, احتسي الشاي معه. تخيّل لو أن جارك قُتل.. هل سيلعنه قلمك.
    خطوتي الأولى للتخلّص من تشاؤمي كانت أن أتّبع حِميَة إعلامية وحِمية أخرى اجتماعيّة.. فلا تلفاز ولا فيس بوك. والنتيجة الآن هي أنّي أخرج بأفكار جيّدة بينما الأغلبيّة غارقين في أحزانهم. أتعرف أمير.. أريد أن أنقذ الجميع من بحر الحزن هذا.
    المشكلة الحقيقيّة هي أنّك بدأت تعشق ذلك الاكتئاب الذي تحصل عليه من أحزانك وتشاؤمك.

    ReplyDelete
  4. أيها الدمشقي
    أحب جاري كان حياً او شهيداً وساحاول لمنطقك الرائع أن لا العنه مجدداً
    لا اعشق الاكتئاب ولا الحزن وأنما أكتب عنه بعمقه لأظهر كم هو سيء

    يا كاتب السماء
    اشاركك الحلم
    حلم النجاة من بحر الحزن
    ما استطعت الى ذلك سبيلا

    ReplyDelete
  5. أيها الدمشقي
    أحب جاري كان حياً او شهيداً وساحاول لمنطقك الرائع أن لا العنه مجدداً
    لا اعشق الاكتئاب ولا الحزن وأنما أكتب عنه بعمقه لأظهر كم هو سيء

    يا كاتب السماء
    اشاركك الحلم
    حلم النجاة من بحر الحزن
    ما استطعت الى ذلك سبيلا

    ReplyDelete