2.25.2012

إلى الدمشقية

رسالة عاشق فلسطيني الى ثائرة دمشقية*. 


نحن بخير يا محبوبتي، فأحداث الاقصى الاخيرة لم تنهينا، نحن بخير ما زال بإمكاننا أن نطلق بعض الرصاص في جنائز الشهداء، لا أعرف ألديك وقت لتعرفي، أن الذي يصلي في بلدي يُقتل، ففي القدس يجمع الجنود غيظهم، وخوفهم الذي تراكم منذ ثلاث وستين سنة واسلحة رشاشة وقنابل يدوية وأخرى مسيلة للدموع ودروع، ويضربونها تحت قبة الصخرة المشرفة، لخوفهم من الدعاء أو الارتباط في القدس، أما في الاقصى فهم ينتظرون في الباحات مددجيين يخافون من عجوز عمره تجاوز الثمانين عاماً أكبر من دولتهم، يتگء على عصاً من ناحية وعلى شابٍ عمره عشرون عاماً من الجانب الاخر، ماذا عنكِ أنت؟؟
هل ما زلت في دمشق الابية أم تنتقلين حسب شدة وطيس الثورة، هل ما زال هناك خرقاء يدعمون النظام عندكم، أتعجب كل ما أفكر بهذا، لكن المتسلقين هذا طبعهم، حبيبتي أنا سأحذفهم عن "فيس بوكي" وأعلن انه منطقة خالية من العملاء ومؤيدي الاسد، غاليتي لماذا ثرتم عليه، إلا تخافون أن يعاد التاريخ وتتكر حماة، مأساة العصر، حبيبتي عندما قرأت هذا الكتاب الذي هو ممنوع عنا أصلاً، كنت أرتجف، لم انهه بعد وقد بدأته منذ زمن بعيد، حبيبتي أني ما زلت خائف أن يغتالكي النظام فهو محترف بإختطاف الاقمار، وهم مبدعون بإيقاف القمم النامية، أنتبهي أرجوكي، فالرصاص يغمض عينيه في الطريق لهدفه فلو رأئ عيناك لن يقتل، لا تنشري الفيديوهات على ال"يو تيوب" بأسمك قد يعرفكي بلطجية النظام ومخابراته، ويذهب أملي الضعيف برؤيتك، لا أعرف أي أمل هذا، فأنا فلسطيني قرر جيراني أن يعاقبوني ويكونوا أكثر أنخفاضاً من سقف توقعات عدوي، ودمشق ليس لها سبيلا، وأنت يا غاليتي لو جئت إلى هنا تحتاجين إلى جنسية أخرى وأنا أحبك دمشقية بكل تفصيلاتك، أشم طعم الابجدية واللاذقية في شعرك المتناثر حول كتفيك، وأحب أن أرى مشاغبة البحر بعيناك، حبيبتي انا لا أعرف البحر، صديقنا المصري كان قد دعاني قبل سنة لأرى مياه البحر في شرم قبل أن تبدأ ثورتهم، لكنه يا غالية قُتل في مظاهرات الاسكندرية، كان معارضاً للنظام وللأخوان، وهم جعلوا سيارة الشرطة تقضي على ما تبقى من روحه، عندما مرت عن جسده وهو على الارض يعاني من رصاصة في كتفه، لم يغتالوا صديقنا فقط، وأيضاً رغبتي في معانقة البحر، فأي طعم لشرم الشيخ أو للإسكندرية بدونه. 
أما أنت يا حبيبتي، أعرف أني أخاطر عند طلبي منك الاستمرار، فثورتكم هي الصواب الوحيد في سوريا منذ اربعين عاماً، كان الظلم عندكم كالافيون يقتلكم، وشعبكم يستسلم للثمالة والحشيش والظلم والنظام الذي أغتال كل شيء، لكنه لم يتمكن من كرامتكم، ولهذا تضحون بأنفسكم لكي يرحل، حبيبتي لو أستشهدتي سأبني لك قبراً في حديقتي الصغيرة، فأنت كأي ثائرة سورية مستعدة لتقديم روحك في سبيل التحرر، في كل يوم أشاهد الاخبار وأرى الوتيرة زادت والارقام ترتفع، لكن انتم لستم أرقام ، فلكل شهيد حكاية وقصة وأمال كان قد رسمها في صباه، ولكي أنت أنا أو ما تبقى مني، كان علي أن أسكن عمان وأنت تفعلين ونلهو بجاذبية مدينة تشاركنا همومنا فهناك لاجئين من شعبي ومن شعبك أيضاً، لكن يا حبيبتي هذه فلسطين لا أستطيع تركها حتى لكِ أنت، ستضحكين فأنا لا أمارس سوى الكتابة لست مثلك ثائراً، ولا مناضلاً كصديقنا الاسكندراني، لكنني فلاح خلق الله أرضي في مكان أصبح في عام ١٩٦٧ حدوداً، وهذه الحدود تفصل أرضنا وايضاً العائلة، فأنا هويتي الخضراء تختلف عن هويه أبن عمي الزرقاء، وكل واحد منا من دولة، وأهتمامي بما تبقى لعائلتي من أرض يقتلهم، "وأنا أزرع أشجاري على مهلي، وعن حبي أغني"**. 
حبيبتي الدمشقية أن نصركم أقرب من نصرنا، ولا فرق بيننا وبينكم سوى أن ظلم ذوي القربى أشد قسوة، والرصاص الذي يقتلكم هو نفسه الذي يقتلنا، فلا فرق إن كان روسياً أو أمريكياً، فهو يقتل نفس الاحلام ونفس الروح، ويُبكي أمي وأمك، اللواتي لم تهتما أبداً إن كانت الدموع على شهيد فلسطيني او سوري او مصري او تونسي او...او... والقائمة تطول، لكن أمي تدعو لك ولرفاقك وأنتم تعدون العدة وخطة ثورة اليوم، وتدعو لمن بقي في ميدان التحرير وللأسيرة هناء الشلبي التي سلاحها الوحيد أضرابها عن الطعام وهي التي حررت في تبادل الاسرى الاخير، وأنتهكوا الاتفاق وأعتقلوها هي ورفاقها مرة أخرى، في مصر يفتي الازهر بأن الاضراب عن الطعام خطيئة، فهكذا قال شيخ الازهر للشيخ خضر عدنان الذي اضرب ستة وستين يوماً، لكن هو ايضاً له أم تسأل "أيفتي قاعداً لمجاهد"، فقاعدة "لا ضر ولا ضرار" يا حبيبتي لاتأخذ في حالتنا فلن تسقطوا نظامكم الطاغي لو أخذتم بها، وكان لم يفعل الثوار في تونس ومصر وليبيا، أنسي شيخ الازهر القاعدة الشرعية "الضرورات تبيح المحظورات"، فهو لا يعلم أن الطيار السوري عدنان الحاج خضر قطع رجله بسكينه بعدما سقطت طيارته في الجولان، وأغاظ الجنود الاسرائيلين حتى قطعوا رجله الاخرى، وعندما تحرر من أسره عاد لأرضه ينكش الارض ويزرع. 
حبيبتي رسالتي طالت وانا لا أريد أنا أخذ من وقت انتفاضتكم أكثر، سأبقى مراقباً بريدي لرساله منك، والتلفاز علي أرى صورتك قريباً. 
كوني بخير، وثائرة أكثر. 

حبيبك المخلص 
عاشق من فلسطين
-----
*كتبت الشاعرة أمل جراح ديوان بأسم "رسائل إمراة دمشقية إلى فدائي فلسطيني" في بيروت عام 1970 ومن ديوانها كانت فكرة الخاطرة.
** "يوميات جرح فلسطيني"  محمود درويش 

3 comments:

  1. غايتنا بالدرجة الاولى هي إرضاء الله .. فسواء نجحت تلك الثورات أم فشلت, فلا تُطفئ النار الموجودة داخلنا.
    ننتظر النصر من الله.. الله من يحتاجه كل شيء في كل شيء

    نحتاج لأقوياء.. ولا نحتاج لناس يُضعفون انفسهم من أجل لفت نظر الرأي العام.

    لا تغرّك مصطلحة الثورة كثيراً.. فالحرب بين الحق والشيطان حربٌ أزلية

    ReplyDelete
  2. ايها الدمشقي
    المؤمن القوي خير من المؤمن الضعيف

    ايا صديقي الدمشقي لا اخفيك الحال فالخوف عليكم قد تمكن مني

    لكن ارى نصركم ونصرنا في عيونكم

    ReplyDelete
  3. ولكنك إن رأيت الخوف في أعينهم ستعلم أننا انتصرنا وإن لم يعلن أحد انتصارنا

    ReplyDelete