4.28.2012

هكذا أنا يا غالية



أنا كما كنت سابقاً رجلاً أبيض لونتني شمس بلادي، ولست أكثر ولا أقل من أي أحد أخر لتحبيني، عادية حياتي يا غالية أصحو صباحاً من دون معاد، اتناول الحليب كثير السكر، لست مهتماً بمن سيعتبرني صغيراً لأني اتناوله، لكني لن أسميه "نسكافيه" لهواه. 
هكذا أنا يا غالية، عملي في أرضي لا يجعلني بطلاً، ولا القراءة تجعلني عالماً، ولن يجعلني حبك ملاكاً، كان علي ان أسهر من الجندي الذي اوقفني صباحاً، فهو يا غالية ايقظوه منذ الصباح في مثل هذا البرد وأرسلوه مع زملائه المغفلين ليسألني في السابعة صباحاً ومطر السماء لا ينقطع عن مرج أبن عامر،،، إلى أين تذهب؟؟
هكذا أنا يا غالية كان علي أن أستمع لك، ليس فقط لأن عيناكي جميلتان وحسب، وايضاً لأن لكلامك متعة لا أستطيع تعريفها، ولا أستطيع أمام كلامك سوى الاستماع، أعلم أنك تلوميني على قلة النظر لعيناك خلال الحديث، فأنا خجل من  كلام العيون، ولست جيداً في التركيز وربما هناك بعض الامور الاخرى أريد أن أخفيها. 
هكذا أنا يا غالية قليل النوم، لا أحب الموسيقى، أشرب قليلاً من القهوة وكثيراً من الشاي، لم أحلم مسبقاً أني فارس أحلامك، ولم أحلم بك أنت أيضاً لكن أنت كنت مفاجئة يا غالية. 
هكذا أنا يا غالية قد أكون فظاً حيناً ولا مبالياً أحياناً، لا أكتم ألمي لأني رجل شرقي، ولا أستغل مشاعري أو مشاعرك، أعبر عن نفسي بما تيسر لي من كلام كما أنا وليس كما أتمنى والاهم ليس كما تريدين أن تجدي في شخصي. 
قد أكون صبوراً حد الملل وقد اكون متأنياً حد اليأس، قد أكون قوياً حتى الضعف، قد اللوذ اليك بالفرار قد اللوذ منك بالفرار، فأنا لا أريد أن تبني علي أملاً أكبر مني يحرجني، أو أصغر مني يسيء لي، ولا ... 

هكذا أنا يا غالية أسمع ما قالوا الحكماء، فأحدهم قال عن الحب أنه حكمة الحمقى، أو حماقة الحكماء، وأنا لا أطوي أشرعتي أذا كانت حماقة أخرى في الرياح. 

4.08.2012

سيقول لها غداً

أنت يا غالية صديقتي، وتقتلني تعابير الحيرة بوجهك، أنت يا غالية صديقتي، وأحاول منذ وقت أن أقول لك... . 

هو يا غالية صديقي، وهو قريب مني حتى مللته، هو يا غالية يخاف من الكلام، وعلي أجد له عذراً، وسأقول لك ما لم يستطيع البوح به.

كان منزوياً بعض الشيء فتمكن الكسل منه، كان منعزلاً قد كره الدنيا، كان منعزلاً فقد ثقته بالكثير منهم، لم يرضى السير بطريق كل الناس تسلكه، فكل حياته لانمطية،، وكل حياته عاش مبعثراً مشتتاً حالماً بعض الشيء، يا غالية هو لا يعرف كيف يصارحك، هو يا غالية صديقي الذي اعتزل المشاعر، وتخلى عن هوسه بالرياضة ليصبح مختلفاً عمن هو، كان يلوذ الى  بعض الكتب. 

يحدثني عنك أنت دائماً، لكن أنت لا تعرفين ماذا يخفي خلف ابتسامته المعهودة، ولا تعرفين كم هو صعب كم من المر أحتساه في كأس الشاي الصباحي، هو لا يريد أن يقول لك عن تجربة حياته علك لا ترين منها ما لا ُيسرك، يريد أن يقول الكثير ولا يستطيع 

يضع نفسه على فراشه في كل ليلة، ويهاتفني عنو أشتياقه، وفي نهاية الحديث يقول لي (لم اقل لها اليوم،،، سأقول لها غداً) 

4.04.2012

هنا وهناك، قبل عشرة اعوام.

كان الجو ابرد قليلاً من هذه الايام، كان الجو ثقيلاً تتمازج الرياح برائحة الحقد والغضب والخوف والطحين، كانت السماء مليئة بضوضاء الطائرات والدبابات ومكبرات الصوت، والجدران ملطخة بكلمات عبرية الاحرف، ورصاص وقدائف وبعض الدماء، كانت الليالي دون انوار ولا كهرباء، وكنت أنا ساهر مع اخوتي في البيت وهو يؤذن الفجر، عندما أحسينا بصوت غريب في بلدتنا الهادئة. 
هنا رمانة، بلدة تستلقي في مرج بن عامر بين جبل تعنك التاريخي ومجدو، تماماً مقابل تل الذهب وتحت جبل سكندر تاج ام الفحم، هي هنا منذ القدم، كان فيها الرومان وتركوا بعض الاثار، وفيها زيتون رومي يملك من العمر أكثر من ألف سنة، وفيها هذا الصباح صوت غريب قض مضجعها، وجعل أهل بلدتنا يهرعون ليدركوا كهنه. 
لم تبزغ شمس هذا الصباح، والليل شديد سواده، ولا ترى عندما تركز البصر سوى أشباح تأتي نحوك، أشباح تتحرك في مجموعات، وتقترب ... وتحبس انفاس الجميع وتقترب، أجسام عارية تقترب نحوك، أكثر من مئة جسم مرة واحدة، وعارية في برد هذه الليلة، هزيلة، نحيفة، خائرة الخطى، وتقترب أكثر، بعد أن تقتلك الصدمة والمفاجئة والدهشة، تهرع مثلي نحوهم، فهم بشر، نعم بشر مثلنا، تعطي احدهم قميصك وأخر حذائك، وتجري نحو البيت مثلما فعلت انا، وتيقظ أمك من نومها لتعمل لك بعض الشطائر وتحملها وأمك لم تفهم بعد ماذا يحدث وتجري نحوهم عائداً وتقول لهم واحمرار الخجل يملأ وجهك، هذا ما تيسر من خبز أمي، وهذه سترتي الوحيدة، وتجلس مقابلهم على الارض في ساحة المسجد منتظراً أن يقولوا أي شيء. 
هناك جنين، هاهي في مدى بصري، هاهي تشعلها رغم انقطاع الكهرباء انفجارات القذائف، وليفصل بيننا سوى شارع كان يصل بينها وبين حيفا مليء بدبابات وجيبات عسكرية، وموت، وعشر سنين منذ هذا اليوم. 
هناك جنين، وفيها D9 يدمر من المنازل ما استطاع اليه الوصول، ومن لم يمت من هدم بيته على رأسه أم من رصاصة أو قذيفة، أُقتيد الى معتقل سالم، حيث أمتلأ المعتقل، وضاق الجنود ذرعاً بمن قد اعتقلوا وتركوهم في مدخل بلدتنا الهادئة صباحاً على إلا يعودوا لجنين حتى أنتهاء الاجتياح. 
في بيتنا أجلس اليوم محاولاً النوم على كرسي بلاستيكي في غرفتي التي امتلأت بشباب لم يذوقوا النوم بعد، لم يتكيفوا مع حرارة غرفتي الدافئة بعد أن تسرب برد الجو الى عظامهم وهم الذين قد احتجزوا في العراء، وليس للنوم سبيلا. 
اليوم الرابع عشر للاجتياح، اركب التكسي نحو جنين عندما كانت جنين ابعد من الجنة عن بلدتي، نسلك طريقة جديدة في كل مرة نذهب لها، سوى طريق واحدة وهي طريق حيفا جنين، وهي طريق الشمال الاخرى الخارج من جنين بموازاة شارع 60 الذي يصل للناصرة، ونصل بعد الانهاك لها، اهرع نحو المخيم، مخيم جنين، كل شيء فيه مثلما لم يكن، فالبيوت مهدمة والورود قد ذبلت، وصورة منير وشاحي، صديقي أنا مصلوبة على جدارية بجانب صورة أمه وقد تهدم بيتهم فوق رؤسهم، أحبس دمعتي بصعوبة يومها، واقول في نفسي، مع السلامة يا صديقي، يشدني اخي من يدي علنا نساعد احدهم، ولا وقت في المخيم للبكاء ولا لرثاء صديقي، من المصلوب على الجدار يا منير روحك أنت، أم صورتك، أم أملنا، أم عجزنا، أجبني بربك كيف تحافظ صورتك على الابتسامة، أجبني بربك اين تذهب روح شاب لم يمضي من العمر سبعة عشر خريفاً عندما يقرر وحش "كاتربلر" انهاء أحلامها، أجبني بربك هل تتذكر الايام التي قضيناها بمعسكر الشهيد صلاح خلف بعد أن عرف بسجن الفارعة، اجبني... .
أبحث عن عمي هنا أو هناك، فلو كنت مكاني انت ايضاً لم تكن لتعرف أي حطام هنا كان بيته، ويرشدني الناس الى بعض الخيام، وأذهب حيث عمي لأجد خيام كثيرة تذكرني بصور اللاجئين في ما بعد النكبة، مصفوفة متلاصقة تحاشر بعضها على المكان ومن هول المنظر انسى لما قد اتيت، واذا دققت النظر لوجدت مثلي مقبرة دفنت الجثث والاشلاء بالجملة، وأناس يبكون من حولهم، وحجة تسعينية العمر تحتار الحيرة من المشاعر التي نقشت على وجهها، تقول لي، "انشالله مفقدتش غالي ياستي، الله بعين، الله بعين" 
هنا رمانة، بلدة حزينة تقع تماماً بجانب جدار معدني يجثو على ارضها من جهتين، وبجانب معتقل سالم المقام على ارضها، تماماً قبل معسكر تدريب لجيش الاحتلال، وبعد أخر "حاجز طيار" على طريق جنين سالم، أتذكر اليوم وهو ينادي لأذان الصباح، أنه قبل عشر سنين وأسبوعين وعدت نور أن نلتقي قريباً، وسألت عنها، وفتشت شواهد القبور، ولم أجد اليها سبيلا،،، أين صديقتي نور؟؟

4.01.2012

يوم أخر بحضورها

تجلس بجانبه، كل ما فيها كما يجب أن يكون، كل ما فيها كامل، يجتمع فيها ملاك يستيقظ صباحاً ليوقظها من نومها الجميل والاحلام الشيطانية في شقة في مدينة رام الله، لتقف على المراءة قليلاً، وتذهب كمجتهدة للمكان، وفيها شيطان يحرك عيناها بقوة نحوه دونما ارتباك، له هو الذي يجلس محاولاً أن لا يظهر ارتباكه، هو لا يحلم اليوم كأي منام عادي أخر له، يستيقظ على صوت هاتفه النقال الذي يزف له وجوب الذهاب الى رام الله من بيته الواقع في قريه لا تعرف الازعاج في ريف جنين، يحث سائق التكسي على الاسراع ليصل. 
باردة هي رام الله صباحاً ولا يأبه ببردها، يبحث عنها لمجرد وصوله هناك، ويدخلان معاً ليجلس بجانبها، وكأنه خجولاً لا يقول لها بأنها أجمل وبأنها السبب الرئيس لحضوره وأنه يريد أن يبقى بجاذبيتها، ويكتفي بتعديل حالته على الـ facebook كاتباً "يقتلني حضورها، وما في قلبي سأدفنه فيه لبعض الوقت" ويوتره تعليق صديقتها وكأنها تعرف ما لم يقال وتواجهه بأن عليه البوح بما لم يخرج بعد، ولا يدري هو أكانت صديقتها قد لاحظت نظرات عيناه منذ أكثر من سنة، ويحاول أن يقنع نفسه بأنها لم ترى. 
بجانبها يختلس النظر لعيناها ووجها ولما تكتب بطريقة معكوسة كالتي يستخدمها عندما يريد أن يكتب سراً ويبتسم. 
يضحكان يبتسمان يركزان يأكلان يفعلان كل شيء معاً وكل ما يستخلصه من هذه الفترة الذهبية كان قد اوجده منذ زمن، هو أنه لا يريد لوجودها أن ينتهي، يعرفها على أصدقائه وفي كل مرة يعاتب نفسه بأنه كان يجب عليه أن يعرف عنها بطريقة أخرى، ولكنه "متباطءاً" كما يدعي المنطق. 
اربعة شهور مضت منذ يومها وأشهر أخرى من قبل ولا زال يجلد نفسه ولا يعزيه المنطق ولا شيء أخر، وفي كل ليلة قبل أن يخلد للنوم يقول؛ سأقول لها غداً صباحاً.