2.19.2012

في الطريق إلى جبع

صباحي أصبح يتأخر قليلاً، كنت منفعلاً جداً فلا أعرف لماذا اليوم أستيقظت على صياح مَلكين، يتحاوران عن طفلتين جميلتين، أسمع صوت بكاء أمي من الصالة، أستجمع نفسي، أفرك عيناي، أفتح هاتفي المحمول، أغسل وجهي، وأشاهد التلفاز، وأصمت.  
طفلة اعرفها أكثر من الملائكة، وأكثر من رياح جبع، وأكواب الديزل المسكوب فوق جراحنا كانت تلبس زيها على مهل، وتقف بجانب أمها كل صباح حتى تجهز لها شطيرة الجبنة الصفراء، وتنتظر والدها لتأخذ بعض النقود وتنزل الدرجات الثلاث وعشرون لتنتظر حافلة الروضة، لم تكن حافلة الروضة صفراء جميلة تقودها سيدة كبيرة السن كما نظن جميعا لمجرد ذكرها، ولكن هذه "الفورد" البيضاء غير المرخصة، وسأقها الجَلِف الذي يضعها في السيارة تماماً كأي أحد من الاربع وعشرون طفلاً الاخرين، ويذهب لجلب المزيد، تنظر لنافذة البيت في الطابق الثاني، وتتسائل "هل ستذكر أمي أن تطعم الاسماك، آه هل كان علي أن أنسى لإزعجها بهذا، لكني انشغلت بترتيب سريري، الذي سأجله عليه وخالتي عندما تزورنا اليوم، ولن أدع ابن عمي أن يأخذ غرفتي، فهو أكبر من سريري لماذا دائما يقول لي أريد غرفتك وسريرك، هو لديه غرفة وفيها سريره يناسبه تمام لكنه يريد هذا، نسيت أن أنظر الى حبات حمص زرعتهن على شرفة البيت" 
وتنتهي الطريق قبل ان تنهي ما تفكر فيه، وتسأل معلمة الفنون إن رأت بطاقة المعايدة قد أعدتها لأمها فقريبا سيكون عيدها فهي لا تعرف الفرق بين عيد الأم أو الثامن من أذار لكن تعرف أنه أقترب وتعد له العدة، وتجاوبها المعلمة؛ جميلة سأحفظها لك في مكتبي لحين العودة من رحلتنا، وتنطلق الرحلة من مدرستها بحافلتين كان مقعدها في الحافلة الاخرى، لكنها أصرت أن تجلس مع معلمتها لحبها لها، وتنطلق،،، معلمتها بقيت واقفة في بداية المسير من عناتا لتتأكد من أن الكل موجود وأن الكل لا يحتاج لشيء، وما أن جلست مكانها تماما بجانب الطفلة الصغيرة في مقدمة الحافلة، والطفلة الصغيرة تنظر لها بإعجاب، أريد أن أكون مثلها عندما أكبر سأصبح "مس"، ومعلمتها ترى هذا الوحش الحديدي المستهتر يقترب من الحافلة، يقترب أكثر تضم صديقتها الصغيرة لتحميها، تصرخ على السائق، تلعن أدارة الروضة، ولم تستطع تكمل حديثها للحريق الذي حصل.  
روحها كأي طير من طيور الجنة، تتسامى في السماء تدور تدور باحثة عن غيمة تأخذ بيدها لتدلها على حريق الحافلة، وتسأل الله في طريقها إلى الجنة أن يخفف الازمة الخانقة على قلنديا، وتنظر الى الاسفل من هناك في السماء بعيداً، لترى شعاعٌ أصفر لم تعرف ما هو ولماذا يشع بهذه القوة، وتذهب. 
تفتح عيناها ببطء واضعة يدها على رأسها تنظر حولها، إلى الحريق والى الطفلة بجانبها، وترها لا تتحرك، ترجوها أن تحرك فمها، يدها، عيناها لا شيء، أبتسامة خجولة ، شعرها مرتب فقد قصته لتذهب لعرس أختها الكبرى في نهاية الاسبوع، عيناها تنظران نحو المعلمة لونهما اسود،،، معلمتها تيأس من مناداتها وتقول لها؛ حبيبتي أستريحي أنت هنا أن سأأخذ بطاقة المعايدة لأمك.  

2 comments:

  1. عند الكوارث ننفعل. وبعد قليل نهدأ. ولكن كتابات من هذا القبيل تحفر في مكان ما لتقول لنا. كلا لم ينته الامر ولهذه الحادثه ما بعدها.
    وتنقر ناقوس الخطر. وصافره الانطلاق لتعديل الاخطاء. ووقف هذا العبث في ارواح الناس

    ReplyDelete
  2. أمير.. الحزن يُضعف همّتنا على النهوض. نحن نحتاج معه إلى دفعة من الأمل المحرّك, نحتاج لرسالة من تلك الفتاة تقول لنا : سأرسل لكم قبلة من الجنّة عندما تعيدون لنا فلسطين.

    ReplyDelete