10.06.2014

عمان, وأمور أخر

لما أرى عمان، هذا ما سارعت في قوله لصديقتي عندما زرت عمان لأول مرة، كتبت نصي في سيارة الاجرة التي أعادتني إلى بيتي، وعندما كنت في السيارة مرة أخرى لم أستطع الكتابة، عمّان كفوضى غرفتي، أحبها وتقتلني، تترتاح بتناقضها وتُزعجني. عمّان ليست حجارة، كحجارة قديمة بني بها بلاط الرشيد، ولا رخامية كالتي بني بها قصر يلدز، أنا رأيت عمان بكل تناقضها، كنسخة أكبر من رام الله، أقسى من رام الله، عمان ياصديقتي هي حالة، هي أشخاص قد لا أحكم عليهم كما أفعل عادة من المطاعم التي بها يأكلون، أشخاص قابلون للحب، حريصون على الابتسامة ما أستطاعوا اليها سبيلا، كما الرحلة التي تحبيها من أجل االرفقة، أحببت فيها كل شيء الملاك والزوار وأهل الدار، ورواد مركبي في الرحلة.
 لم يقتصر الامر على عمّان ياصديقتي، فأنت لا تستطيعي أن تنسي من شاركك الحديث عن النجوم في الصحراء، ولا من سار معك على عجلٍ لإدراك سحر البتراء، أو سار على جسر خشبي يسير فوق البحر الاحمر كشرفة تطل على وطنٍ لي ليس لي به ذكريات. في العقبة، أحسست في الغربة، رغم قرب أصدقائي، أنزويت، جلدت نفسي، أستحضرت كلما قيل لي في وصف البحار والشواطئ، وبكيت الشاطئ المجاور، الشاطئ لي، صغيرٌ جداً، جميل جداً وغريب جداً، أقتربت من المياه بحذر، تختلف ألوانها، مسكتها رشقت بها وجهي، شربت منها، فاجئني الطعم وشربت مرة أخرى، اخفيت دمعتي عن صديقي المصري وهو يصورني من الاردن وخلفي أم الرشراش وطابا قريبات كما الحلم، بعيدات كما الحلم. 
عمان يا صديقتي لا تستطيع أن تخلع عنها رداءها، ليس فيها وقت لطفل قد يضل الطريق، ليس فيها مكان لقصة عشق خجولة، ليس فيها أمل يُسقى بالتأجيل، لم تعبء بي تلك المدينة، لم تصنفني، لم تفرض علي مساراً، وكانت تُشرق شمسها أذا بقيت نائماً، لكنها لم تُشعرني في الغربة، ولم يكن يهمها أني ويمني ومصري ولبنانية وسودانية، نقف في صفٍ أردني بأنتظار حلويات حبيبة، ولم تفتش جوازات سفرنا حول مائدتنا في مطعم هاشم، ولم تغالي علينا في تشي تشي، فهي يا صديقتي كما البقية، يصبحون على أغنية لبنانية ويمسون على أغنية مصرية. 
سأتجاوز درس التاريخ في نصي، وسأحدثك عن السلط، فهي مدينة ذات رائحة تشبه نابلس، وأنت ستكرهيها ظلماً، فلبساطة المدن القديمة سحر لا ينتهي، لن تجديه في مدينة كالتي تسكنيها، وتمري في الطريق من بيتك إلى عملك، بمخيمٍ وفندقٍ ضاق بعدد النجوم، أن لا يستهويني الأمر، والسحر فيها يجري على ادراجها، كمُعمرة تدعونا لبيتها وتبكي قصصاً من القدس إلى حيها، ولو أستوت قدماك فوق جبال عجلون لرأيتي الدنيا في مستوى النظر، لا شيء يفصل بينها وبين فلسطين سوى الوهم والهزيمة. 
أنا لن أقترب من الحدود مرة أخرى، لن أنسى نصاً كان متنه أحدى وعشرون صديقاً لن أشرب مياه البحر الاحمر، لن أنغمس مرة أخرى في السعادة، لن أنظر الى قلب أحداً قد أجد به وطناً، فحساسية الحدود والاشتياق، والوطن قد أصبحت عندي مرضٌ عضال.