10.10.2011

نفس تمباك

في مقهى هرم في نابلس اراقب المارة المنشغلين اجلس منتظراً لا احد، ربما لن يأتي ربما يتصل معتذراً لا أهتم كثيراً بما يخبئ القدر فأنا ووحدتي نشكل ثنائياً رائعاً نحتسي ارجيلتنا معاً وكذالك السبرايت البارد في هذا اليوم الحار، احب نابلس القديمة وطعم التمباك العجمي والختيار صاحب القهوة، ربما هو قد شهد التاريخ الذي اوجدها ولكن على الاقل شهد العثمانين، فتقاطيع وجهه مثل لوح خط عليه الفرح والحزن المعتقين ، وجهه هذا بين ملائكي وبين شيطاني، تماماً مثل البشر فهو مثلي يراقب المارة والتكسيات وهذه المدرسة القديمة في الجانب الاخر لهذه الطريق، لو كنت تعرف الاماكن هنا فهو في الشمال الشرقي للمكتبة نابلس القديمة هي ايضاً، في الشارع الذي يصل من دوار الحسين إلى جامعه النجاح الحرم القديم، لطالما احببت ان اكون في التاريخ، الوجوه التي تراها في المقهى هي نفسها الوجه التي اراها هي ذاتها التي تعود ان اراها منذ بداية عهدي بهذا المقهى منذ اربع سنين، كان يمكن لي ان اكون في الناصرة لولا الجدار المعدني الذي يبعدني عنها او امازح بحر حيفا الهادئ أو اكون اكثر ازعاجاً واشاغب امواج عكا، لكن القدر اختار لي ذلك، اتذكر اليومين الماضيين فكنت خلالهما اعتني بما تبقى لنا من اشجار الزيتون كم هو امر متعب ان تفعل ذلك ولا يستطيع المرء ان يفعله اذا كان عنده الشغف ليشعر بنشوة الانتهاء، لكن هذه النشوة لن اصلها فبعد انتهائي من العنايه انظر من خلال الجدار الى اشجار الزيتون التي هي ملك لنا في الجانب الاخر لإرض المعاد، فثماره عشاوائية قد اصبحت والعشب والخرفيش والينبوت والقبار قد تمكن منها، فعشر سنين كفيلات بأن تخرب الارض التي توارثنا العناية بها منذ اليوم هاجر به العرب من الجزيرة، هذا الزيتون الذي اتحدث عنه هنا عمره مئة وثمانين سنه، وكل الاشجار التي لم تغتال شهدت ازمنه الانكسار، شهدت الاتراك الين ملكوا البلاد والحرب العالمية وحاول الانجليز قطعها بهدف السكة الحديدة وشهدت النكبة والنكسة وهن انفسهن فرحن عندما نصب الجيش العراقي فيها مدافع "المورتر" واخفنهم وهم يحملون رشاشات "الستن" وينصبون المكائد للصهاينه وبكن زيتاً عندما اتاهم الامر بالانسحاب, واختبئ فيها ثوار الفهد الاسود والنسر الاحمر جنباً لجنب في الانتفاضة الاولى,  واخفن امي وسيدات في طريقهن ليحضرن حفل زفاف ابن عمي الذي اصبح منذ هزيمة "السبع والستين" من دوله اخرى، هذا الشجر نفسه الذي يخفيني من دوريات الاحتلال عندما تمر على الخط الاخضر وهن ذاتهن اللواتي يلعنن زمن الهزيمة ويخافن اذا ما اقبل جيش يحملون رشاشات "الميم سته عشر" ومناظير وقنابل واجهزة اتصال ويلبسن الدروع المضادة للرصاص ويملئهم الرعب لأنهم خافوا من المعول الذي انكش به تحت الاشجار، منذ عشرة سنين وهم يأتون كي اخاف، وامتنع او تخاف امي وتمنعني، ولكن امي ما زالت تعد لي الفطور في اليوم التالي مبكراً، كي اعود للأرض، امي هي ذاتها التي دافعت عني قبل عشرين سنه في صراعي مع الجنود كي لا يحرقوا علمي، وكانت تصلي لي طول طريق الموت الذي كنت اسلكه لجبل النار، فكنت اختبئ خلف دعواتها اذا لم اجد ما يخفيني، وهي التي قسمت الخبز بيني وبين شباب فروا من اجتياح المخيم في نيسان، وهي التي دمعتها سقطت عندما رأتني استلم شهادتي الجامعية، لله درها في كل هذه المواقف رايتها واثقة، ورأيت في عيناها الصواب.
لا استطيع ابداً ان ابرر العلاقة بين الام والشجرة، غير اني من كنفهما ارى الاشياء.
تأخذني دخنه الارجيلة الى قنابل المسيل للدموع ومشاوي العيد، وحريق الاحراش, الباذان، الكرمل، العمرة، ام الفحم، لا اعرف الفيزياء او الكيمياء التي توجد الخط الفاصل بين المفرح والمحزن، لكن هنا كل شيء هكذا فأنا افرح لأن اخي الصغير يتجادل مع مجموعه من الجنود، فهو يكسر خوفه منهم وفي المرة القادمة سيضحك عليهم وهكذا يزعجهم، يزعجني أن هويتي مشوهة باللغة العبرية ويفرحني أن أسمي عليها بالعربية يغيظهم إلى هنا يصل فكري قبل ان يأتي اصدقائي.