3.05.2013

في غياب حضوره

لست أدري ما الذي دفعني لكتابة مثل هذا العنوان، لست أدري كم كان هذا اللقاء مميزاً. 

الساعه الواحدة إلا ربع أصل اليوم إلى أمسية الشاعر الكبير سميح القاسم، القاعة فارغة جداً، شاحبة جداً، لن أخفي عنكم أحباطي الشديد اليوم لأن القاعة فارغة سوى من خمسة عشر شخصاً بإستثناء القائمين على الحفل، وفرقة الكمنجاتي الرائعة، وضل الفنان اياد ستيتي وفرقته يعزفون حتى الواحدة والثلث عندما بدأ الناس بالوصول، حتى أمتلأت القاعة بغضون خمسة عشر دقيقة، كانت الامسية يُفترض بها أن تبدأ الساعة الواحدة، لكن الحاجز، الذي طالما أرهقنا، أخر عنا الشاعر سبع وأربعون دقيقة. 

بدأ الحفل كالعادة بسلامنا الوطني، الذي وأسفي رأيت بعض أنتهاكٌ لحُرمته، من شخص هنا وسيدة هناك، ومن ثم تحية الشهداء والاسرى، وترحيب من أحمد القسام نيابة عن محافظ جنين، الذي تعذر حضوره، حتى بدأت موسيقى الوطن تدب في الجمهور، بموسيقى الكمنجاتي، على ألحان أناديكم، منتصب القامة ويا بحرية. 

بتثاقل صعد الشاعر القاسم إلى مسرح (الأمير) ولم يفقد روحه المرحة التي أعتدتها، حيث وضع يده بخفة وحب على رأس مقدمه، وذهب يتكلم شعراً، (تقدموا، البيان الاخير عن واقع الغزاة الذين لا يقرؤا) وأعتذر بلطف في جملة رددها أكثر من مرة مسبقاً، (بقولولي عندك مرض، جاوبتهم عندي مرضين الاول خفيف اسمه سرطان، والثاني صعب اسمه احتلال)، وبعد تكريمه عاد لطاولته كي يوقع بعض كتبه كما مخطط له، ولم يستطيع وغادرنا الشاعر الكبير هناك. 

قبل أكثر من أربع سنين تكلمت مع الشاعر لأول مرة، كان كل شيء مختلف، كان شاعرنا روحه أكثر أصراراً على الحياه، كنت واقفاً أمامه بإحترام الدواوين العميقة التي كتبها، وأصراره الدائم على البقاء في الوطن، رغم كل مضايقات الاحتلال، كل هذا كان في ذهني وأنا أمامه وأكلمه سائلاً منه توقيعه لكتابي (عجائب قانا الجديدة)، جاوبني بضحكته الجميلة "طب هات اوقعلك شايفني خايف منك"، لم أكن بحاجة اذكرى أجمل من هذه تجمعني بشاعرنا العظيم. 

أنا قبل قرون 
لم أطرد من بابي زائر 
وفتحت عيوني ذات صباح 
فإذا غلاتي مسروقة 
ورفيقة دربي مشنوقة 
...

لم أزل أردد هذا البيت منذ الاعدادية، والذي علمونا بفخر شعره.
في المرة الاخيرة كنت أعرف أني سأراه لاحقاً، لكني اليوم لست متأكداً، مضى قبل أن يودعني. 

شكراً لكل من كان له يد في مثل هذا الحدث الجميل.