12.14.2013

عما حدث في يافا

هي على الشط تغني، تغني ليافا، ولدلال وللبحر، وأمواج العجمي تتراقص بهدوء منتظم على صوتها، كصوفية تسير بهدوء بين الصخر والماء والزبد، وتلعب الريح بفستانها المزركش، بألوان متناسقة، والشمس ضاعت تحت أفق المتوسط، ولا نور على البحر سواها. 
هي على الشط تغني، وأنا على الشط ذاته بعيداً، لا أذكر يوماً قبله كنت بيافا، ولا أعرف عن ماذا سأغني على العجمي المرة القادمة، ربما عن بعدها رغم كل هذا القرب. 
أستذكر أسطورة إغريقية قديمة، وأنكر أن تكون أسطورة، فأندروميدا ما زالت على العجمي تغني، ولن يأتي اله البحر ليخطفها، أما أنا وبيرسيس لا داعي لنا قي مثل هذا اليوم، أندروميدا تنظر لي وتتذكر خيبتي، ولم أذهب كعاشق أسير معها على شط العجمي ونترك أنفسنا لجاذبية الابيض المتوسط. 
لا فرق بين هذا اليوم ويوم أخر قبل عام مضى، كنت قد تمنيت فيه هذا الشاطء وهي، ورحت في خيالي أرسم صورتنا وأن أحملها وأسير في المياه، أسير بلا إسمٍ أو هوية، أسير تاركاً قضيتي في حقيبة التصوير على الشط، أسير مهملاً الكلمات والشعر والادب، نسير فقط هي وأنا، ولا فرق سوى خيبة أحاول تجاوزها منذ آب المنصرم. 
في القدس، أمر عنها ولا تنظر ألي كأني غريب، مثل هؤلاء الجموع التي وقفت على قلنديا بشمس رمضان القاسية، يحاولون أجتياز الحاجز المريع، أجلس بقربها ولا تنظر، حتى الابتسامة التي حملها وجهها كانت تمثيلاً، وكحل عيونها كأنه محاولة لأخفاء العيون، لا ليست هي الذي كنت أعرفها منذ عام، وربما لست أنا الذي كنت منذ سنة خلت. 
بتثاقل ندخل المينا كلٍ على حدا، أقف لأصور سفينة ترسو على الميناء، وتمر عني دون أن تبدي رأيها في زاويتي، ونسير في البلدة القديمة التي كانت منذ عقود كبيرة، وصغرت بفعل الهزيمة، ونقف قليلاً قرب برج الساعة رابع سبعة أبراج بنين منذ مئة سنة، لم تكن الساعه تلك من ضمن ما تخيلت أندروميدا في مثل هذا اليوم الموعود، ولا حتى في ما تخيلت أنا، أما هي فتصعد في سيارة الاجرة قاصدة القدس وأبقى أنا مناجياً آله البحار الذي يسكن يافا أن يخفف عني وطئت خيبتي. 
في القدس، تقف، وقبة الصخرة خلفها تدعوا لي في "ليلة خير من ألف شهر" أن تعود لي الحكمة. 
وفي يافا، أرى العجمي رائع كما هو منذ مئات العقود، ولا ينقص من تفصيلاته سوى هي. 
نابلس ١٤. آب. ٢٠١٣