8.08.2013

سفر المحبة


هل تدخلين النفق؟ سألتها لا لتدخل وأنما كي لا تعتقد أني سقطت عن حافة الطريق الخطر، وكأنك تسير على صخر على شفا التكسر، والأرض بعيدة بما يكفي للقلق، ودخلت. 
 لا زوار للدير القديم، فقط أنا وهي، وفتاتين من ذوات الشعر الأشقر، عندما تتجاوز الباب المهيب عبر الحديقة الرائعة، التي تشعرك بأن كل من كتب مديحاً في المدينة كان عليه أن يأخذ قسطاً من "الجنة" فيها، يتراءى لك دير سانت آن الجديد، الذي بني من أكثر من سبع مائة سنة، ولكن السحر خلفه، أطلال الدير القديم، عميقة هي الأساسات، عميقة جداً لا يعبر عن عمقها أكثر من تلك الشهقة التي سمعتها منها عندما نظرت للأسفل، وأما السطح فهو بمستوى النظر أو أعلى قليلاً. 
 لا زوار في الدير القديم، فزوار المدينة انقسموا في بينهم، منهم من يزور كنيسة القيامة، ومنهم من يدخل المسجد الأقصى، أما الكنيسة (الصلاحية) فزوارها نحن، ولم أكن أدري أن كل هذا الوقت يأخذنا فيها، وهي التي وجدناها مصادفة في الطريق من باب الأسباط عبر شارع الآلام، أما الهواء الذي يمر بنا ونحن جالسين ناشدين شيئا من الراحة، كان لطيفاً في مثل ذاك اليوم الحار، وهي فرصة للحديث عن شيء سوى التاريخ.
هي تبحث بين الوسادة والفراش عن هذا المزعج، في ريف بعيد، تجده، لتطفئ المنبه، وتتصل بي لتيقظني، وتزهد بالكحل، وتفرط في الجمال، أما أنا فأحتار واحدا بين ثلاث قمصان، الآخرون يعتقدون أن لهن اللون نفسه، وأجهز الكاميرا ليوم طويل من التصوير، وأخرج. 
هي تعتقد أني سأكون دليلاها للقدس، وتسير بارتباكها من جنين حتى باب العمود، حيث يختلف كل شيء، ويصير الحاضر مجرد سفرٍ قيد الكتابة في كتاب مقدس، أما أنا فأريد أن أغرق في تفاصيل الحروف التي كتبت سفر التكوين، وهي تبحث عن تكوين جديد يصهر علاقتنا، ويعيد تشكيلها لنصبح أقرب. 
خان الزيت، أعداء، حاجتان تبيعان الخضار البلدي، كهل أمام متجر صغير، سيدة تحمل لأمها كرسيا وتتوهان في طريق للصلاة، سياح شقر، القيامة، الخالدية، السلسلة، وفي نهاية هذه الطريق على الباب تقف بقلق خلف الجندي الذي يسألني أسئلة بلا معنى.
أربعة خطوات أسير وأقف دقائق كأني أقف في حضرة السلام وطني، وهي كانت حريصة أن تصلي في مسجد هو أحدى ثلاث "لا تشد الرحال لغيرها" أما أنا فكنت أنتظر خروجها خلال التقاط بعض اللوحات المقدسية، وسرنا في الحرم، كما لم يسر أحد من من حولنا، ونتهامس أحيانا كي لا نزعج هذا الحاج الذي غفى وهو متكئ على جذع زيتونة، وسرنا حتى تجاوزنا باب الأسباط إلى هذا الدير، وأكملنا من بعده المسير نخرج من باب وندخل من آخر، تارة في وقف وتارة في بيت وأخرى في تكية، حتى حفظت الطرقات والأبواب وابتساماتها. 
رام الله، وعقارب الساعة تنبئ بيوم جديد عما قريب نترك كل الأسفار، والحديث الجميل في ذاك المقهى الفظيع، نبدأ سفراً جديداً ونتفق أن لا نكتب فربما أحد المستشرقين سيكتب بعد سنين تلك الحكاية.

No comments:

Post a Comment