9.05.2012

وطن

 كأنه وطن، ما يرسمه وجودك، يحده من المستقبل (أبد) ومن الحاضر قليلاً من الانتظار ومزيداً من الياسمين، وتسكنه رائحتكي أنت، وضحكتكي الرائعة، وطن كل ما فيه جميل، وتحرسه أربع عيون، أثنتين منهما خُلقت لمديح عيناك، فكل ما يكتب في غير جمالك هرطقة، وكل ما لي أنا، أن أترك نفسي للتماهي في ثنايا وتضاريس وطني الجميل.

في ذلك الوطن، مقعدٌ خشبي له من الظروف ما ليست مثالية، فليس هناك بحر يطل عليه، ولا منظر جميل للغروب، وليس أجمل من أرتباطه بك، عليه لو جلسنا أنا وأنت، لا تظني أن يدي التي تمتد على ظهره بريئة كما تعتقدين دائماً، ففي الامر شيٌ من نفس يعقوب.

في ذلك الوطن، ياسمينة تتساقط زهورها في انحاء الوطن، كأنها تفرش سجاد أبيض لذيذ اللون والرضى على مدخل البيت، وفلٌ أبيض أيضاً متماسك، وأخر بلدي يتتطاير عندما يتفتح، وسور من القرنفل.

في ذلك الوطن، يتوزع اليوم على سبع أوقات لذيذة، ينتهي بمراقبة القمر الساهر من على غربي حدودنا، ومراقبة جمال عيناك ليلاً، ومشاهدة الغروب، ومحاولة -ستبقى فاشلة- في الابتعاد عن سحرك قليلاً، لكي أعود كالباقين قليلاً، ولا أستطيع، ووقتين لا يتسع الحيز الضيق لذكرهما، وتبدأ الاوقات في أرتشاف العسل ورائحة الارض والزعتر وطعم اللذة من شفتيك وقت الشروق.

في ذلك الوطن، يختلف معنى الموسيقى، فالعود والكمان والقانون مجرد تحف نزين بها صالتنا الجميلة، تماماً تحت البرواز الذي يحمل ضحكتكي أنت يتربع العود وقد تقاعد، أما الموسيقى فهي أنت، والسمفونيات كلامك، والسوناتا، ضحكتكي، والتقاسيم عيناك، وما تبقى سيبقى "إرتجال" لا حاجة للأخرين أن يدركوه.

ذلك الوطن يختلف قليلاً عن وطنكم، فهو قائم على الصدق، فكل ما أحكيه صادقاً وكل ما أسمعه صدق، ليس فيه أشياء كان يجب أن نعرفها، فليس للمفاجئات فيه وقت، كل هذا نعرفه في وقته تماماً، أعذورني أن اخفيت بعض الامور أو تجاهلت بعضها الاخر عندما أعود لوطنكم، ففي وطنكم أنتم تريدونني كما تتخيلون، أما هذا الوطن يريدني كما أنا.

في ذلك الوطن، أمر غريب فاليل الايام أجمل وأكثر متعة، فبعض العتمة تبعث الكلام الجميل، وأيضاً شفاء لعينين أدمتهما غربتهما في وطنٍ أخر، وخاصرة تبحث عن طوق من يدا الحبيب بشدة أكثر، وعن جنون يلقي بظله على شفاه بطعم الارض والرغبة، وتبدأ الشفاه والجنون أيضاً بالهذيان، في ذلك الوطن فقيه، يدون ما يدور في كلام شخصين وقعا بمرض الشعر ودواء الحب، وتضيف على شعرهما رائحة الريحان وليلة القدر، أو تغريدات عصفور ايقظه أقترابهما من عشه، وأيضاً يضيف أكثر خصلة من شعرها لذيذ الملمس، عندما يلامسه ويتغير بعد شعرها الوزن واللحن والقافية.

في ذلك الوطن، كل شيء قابلٌ للقسمة، فلقمة الخبز لك ولي، والاحلام لك والسهر لهدوء عيناك لي، والادب لك والقراءة لي، وجمال جسدك لي وعيناك الجميلتان أنا لهما، كوطن يمتد بين أنا وأنت، على طول المسافة بين حب ووله وإشتياق وبعض العتاب.

آه منه هو العتاب، كم يقتل في نفسي من الجمال، من الهوس؛ كطفل صغير تهوس لإنتهاءه من الخربشة التي يدعي انها رسماً، ويأتي يريها لإحد ويهمله، كذلك العتاب يفعل في نفسي، لكن هذا كله مجرد ذكريات لي من وطن أخر.

في ذلك الوطن أمر عجيب، فمصطلحاته تختلف عن أي وطن أخر فما نسميه حوار تسمونه أنتم شعراً، وما نسميه محاوله تسمونه أنتم معجزة، وما تسمونه أنتم خيال، أسميه هي.

في ذلك الوطن؛ الجمال ما تعكسه الروح على العين، وما يعكسه التفكير على الفم، وما يعكسه وجودك على مساراتي.في ذاك الوطن تعريف مختلف للأحلام، فلو لم تأتين بأحلام النوم، أستحضرتك لأحلم النهار، في ذاك الوطن الاحلام أنت.

في هذا الوطن الذي أحلم به منذ الابد، كل ما حدثتكم، وأكثر من هذا ما أريد أن اخفي، وما لا يعرفه أحد سوى طائرين أحداهما أزرق والاخر أخضر.

في هذا الوطن لا مكان للتلفاز فأخبار الحروب والقهر قد نالت منا بما فيه الكفاية، وأنباء المأسي أستهلكت من وقتنا أكثر مما نستحق، وقد نبني أحياناً أملاً في ثورات عالمكم أكثر مما ينبغي، كمصر أو تونس، ونتأجها تحبطنا، وتأخذ من وقت قصيدة غزلية بحضور زهرة تحبها مليكتي، فلا وقت للأمس، وما في اليوم أهميته موضوع قابل للتفاوض، فكل "الحياة مفاوضات" في وطنكم، أما في وطني فلا شيء مثلكم، فجمالها مُسلمة وكذلك عيناها، وتباين اللوان زينتها، ورائحة العطر التي تجعلني أقرب.

 

في ذلك الوطن هي، ... وكفى

 

*خاطرة بدأت في 27.7.2012 حتى 11.8.2012

 

4 comments:

  1. جميل. مقاطعه وجمعها.

    ReplyDelete
  2. This comment has been removed by the author.

    ReplyDelete
  3. وطن حقيقي أكون سعيداً إن علمت أنك تسجد على أرضه
    وطن تستطيع أن تؤثر وتتأثر فيه
    وطن يغار منه الوطن

    ReplyDelete
  4. محمد حضورك اجمل

    نعم ايها الدمشقي سيغار منه الوطن

    ReplyDelete